Search This Blog

Saturday, 10 March 2012

ضرورات التغيير – إلى أستاذي وزير الإعلام الجديد




صورة ابداعية من أعمال : الدكتور عبدالمنعم الحسني - وزير الإعلام الحالي


مضت أعوام على ذلك التقرير والعرض المرئي الصغير الذي تحدثت فيه خلال أحدى مقررات الصحافة والنشر الالكتروني عن قانون المطبوعات والنشر في السلطنة، كنت قد عرضته أمام بعض الزملاء وأمام وزير الإعلام الحالي – الذي كان محاضرا وأستاذا ساهم مع بقية زملائه الاكاديميين هناك أمثال أساتذتي: سالم الرشيدي – انور الرواس – عبدالله الكندي – حسني نصر – طه نجم – عبيد الشقصي  في تعليمي  أبجديات العمل الصحفي  – لكنني أقصد هنا معالي الدكتور عبدالمنعم الحسني، الذي حمل حقيبته الوزارية قبل أسبوع تقريبا ، تلك الحقيبة المثقلة بالمطالبات والتطلعات الكبيرة في مجال حيوي ومحوري يتمثل في المجال الصحفي خصوصا ( الصحف والمجلات وكافة المطبوعات الصحفية ) والنشر العام ( الكتب وحركة النشر عموما ).

الوزير الجديد
اذن تلك الحقيبة التي استلمها وزير الاعلام الجديد تحمل ذلك الإرث التاريخي المثقل بالإخفاقات والبطء والنمطية و المتمثل في أمرين اساسيين عانت منهما وزارة الإعلام لسنوات: أولا ارث عمل وزارة الإعلام في الخمس والثلاثين  سنة الماضية خصوصا في قطاع الصحافة، وأقصد هنا  القوانين والإجراءات الخاصة بالعمل الصحفي وحركة النشر، فالمعلوم أن  قوانين الطباعة والنشر بدأت فعليا عام 1975 حيث صدرت بمرسوم من السلطان، وثانيا على مستوى الصورة الذهنية التي تشكلت في ذهن المواطن العماني، سواء كان متابعا عاديا، أو متابعا متخصصا، عن عمل وزارة الإعلام الموجه تجاه تقديم الصورة الناصعة عن الحكومة، رغم أنه في الواقع تزحزح جزء كبير من ذلك الإرث بعد استقلال الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، على الأقل كان تزحزحا معنويا مهما بدأت التغيرات المرادفة له تتضح للناس.
اذن مر أكثر من ثلاثة اعوام على تلك المحاضرة التي لم تتجاوز الـ 15 دقيقة تقريبا، تلك المحاضرة التي كان محورها الرئيس هو القوانين المنظمة للعمل الصحفي والنشر على مستوى الصحافة العمانية بكل لغاتها العربية والأجنبية. ورغم إنني للأسف لا أملك تلك الورقة الصغيرة التي ناقشت وطرحت من خلالها رؤيتي لإعادة صياغة قانون المطبوعات والنشر من خلال عناصر عدة، سأتطرق اليها.

قانون المطبوعات والنشر

كان الجزء الأكبر من تلك المناقشات التي تحدثنا من خلالها عن قانون المطبوعات والنشر متمثلا في تلك الأحكام التي تحد من مهام الصحافة والصحفي في القيام بواجباته على أكمل وجه  في السلطنة وقد ناقشنا ذلك معا وفق عدد من الأحكام، مجملها لا يتصل بالـ الأحكام المتعلقة بالمطابع والمطبوعات على وجه العموم والجوانب الإدارية المتصلة بآليات الحصول على الترخيص ولا تتعلق بآليات واجراءات تداول المطبوعات وتوزيعها.
المحظور نشره
لكن أبرز الاشياء التي تناقشنا حولها كانت متمثلة في الخطوط العريضة المتعلقة بالموضوعات المحظور نشرها وقد قدمت ملاحظاتي الأساسية والتي من المؤمل ان يتم مراجعتها في المستقبل، لنعود الى ذلك العصر الذهبي للصحافة العمانية " معنويا " قبل وجود قانون المطبوعات والنشر والذي شهد تعديلات عديدة معظمها لم تخدم الصحافة العمانية بقدر ما كانت تقوم بوضعها في " زاوية أضيق " وأبرز تلك التعديلات المضيقة لحرية الصحافة جاءت عام 1984 وهي سارية الى يومنا هذا وتمثلت في الآتي:

أسئلة
" المادة 27 تقول إنه لا يجوز نشر ما من شأنه الإضرار بالعملة الوطنية أو يؤدي إلى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة أو الوضع الاقتصادي للبلاد" وهو في مجملها مادة قانونية فيها الكثير من العمومية، وفيها كثير من التوقع لأشياء لا يمكن توقعها، فالمشرع هنا توقع قيام الصحاف بالنيل من العملة الوطنية ولكنه لم يضع " نوع " هذا الإضرار أو طريقته، أو شكله، حيث جاء فقط خاليا من أي تعريف دقيق، ومن ثم جاءت التكملة كالتالي " أو ما يؤدي الى بلبلة الأفكار عن سوق المال بالسلطنة، أو الوضع الأقتصادي" ولنقف عند هذا التعريف قليلا:

قال المشرع هنا: ما يؤدي الى بلبلة الأفكار عن سوق المال، وهي أيضا عبارة فيها الكثير من العمومية وعدم الوضوح، وتفيد أن الصحف يمكن أن تنشر شيئا يثير بلبلة الأفكار! " والسؤال هنا : ما المقصود بـ"  بلبلة الأفكار "؟ هل يقصد  بنشر أكاذيب؟ أم بنشر حقائق؟ لأن الحقائق المتعلقة بالجوانب الإقتصادية في حقيقتها لا تسبب بلبلة في الأفكار فحسب إنما تغير أيضا من الممارسات التي يتخذها أصحاب الأموال خصوصا في مجال سوق الأموال، فهل كان القصد هنا هو أن يقوم القانون بمنع الصحف ومحاسبتها وفقا لهذا البند العام  والسؤال هنا ايضا : هل يقصد المشرع أنه على الصحفي أن لا يقوم بنشر أية معلومات " وإن كانت صحيحة وحقيقية " حول اية أحداث في السوق مما قد يؤدي الى تضييع مصالح؟! وهل يقصد بتلك المصالح العامة أم الخاصة، ان هذا مأخذ واضح على هذه المادة.
حول المفاهيم
وفي المادة 28 جاءت المادة القانونية في جملة " لا يجوز نشر كل ما من شأنه المساس بالأخلاق والآداب العامة والديانات السماوية." : ويكرر المشرع نفس الخطأ العام الذي يعاني منه قانون المطبوعات والنشر مجددا، وهو الخوض في العموميات والأفكار العامة الخالية من أية محددات لفظية أو معنوية، فما المقصود بالآداب العامة؟ هل هي الأخلاق العامة؟، أم الممارسات العامة؟، وما القصود بكل هذه الكلمات الشاسعة في المعنى؟ وهذا في الحقيقة خطأ متكرر في معظم المواد المتعلقة بالقانون الخاص بالمطبوعات والنشر.

في المادة 32 جاءت المادة " لا يجوز نشر أي خبر أو مقال أو صور أو مستند يكون قد صدر فيه أمر من وزير الإعلام بعدم النشر حتى تتم إجازته من نفس المصدر. إن هذا البند يكشف مدى التدخل الواضح الذي من الممكن أن يلعبه وزير الإعلام أو وزارة الإعلام في شؤون الصحف، وفي شؤون ما تنشره، وهذا في الحقيقة كان من أبرز البنود التي شهدت سجالا واضحا في معظم المناقشات التي تحدثت عن قانون المطبوعات والنشر كان أهمها في ندوة " الكلمة بين الحرية وحدود المساءلة " والتي نظمتها جمعية الكتاب والأدباء، وهذا النقاش حقيقة أساس اعتراض على التدخل السافر في شؤون التحرير الصحفية في كل مؤسسة، فليس من المعقول أن يتدخل الوزير في ذلك دون أن تعرف المؤسسة الصحفية نوع تلك الاخبار أو المقال أو الصورة المقصودة في هذا البند، وفي حقيقة الأمر هناك ادلة واضحة تؤكد ان وزراء الإعلام السابقين مارسوا هذا التصرف، وربما آخرها كان في فبراير الماضي حين شهدت السلطنة مظاهرات وتلقت الصحف رسائل بعدم نشر أخبار متعلقة بهذا الصدد وكان هذا التدخل هو تطبيق لهذا البند، حسب ما ذكر لي صحفيون.

التعديل الأخير
وجاء التعديل الأخير والذي صدر نهاية 2011 أيضا والذي قضى بمنع أية أخبار أو معلومات أو وثائق تقع تحت أسم " وثائق سرية " ! وهذا أيضا يعتبر تقنين واضح لنوع الاخبار المنشورة كون أن الاخبار السرية هنا ليس لها تصنيف واضح، هل الوثائق التي قد يصحل عليها الصحفي يجب أن لا تكون مختوم عليها كلمة " سري للغاية " لينشرها؟! ماذا اذا قام بنشر الصحفي بنشر وثائق عادية متداولة لكنها تحمل معلومات غاية في الأهمية هل ذلك ايضا يعتبر " نشر لوثائق سرية "؟! إنه الخيط الوهمي الذي نلاحظه في كل البنود المذكورة سابقا وهو الغموض وعدم وجود اللفظ الاجرائي المحدد لها.

ان كل هذه الملاحظات التي ذكرتها سابقا على بنود ومواد قانون المطبوعات والنشر والتي أتمنى أن تلغى تماما من قانون المطبوعات والنشر هي في الحقيقة أبرز النقاط التي ناقشتها في تلك المحاضرة التي قدمتها أمام استاذي ومعلمي – وزير الإعلام الحالي – وهي ليست سوى مراجعة لأبرز ما كان يعانيه الصحفي العماني والمؤسسة الصحفية بالدرجة الأولى.
إنني آمل ايضا في هذا الجانب أن يتم صياغة قانون جديد ينصف الصحافة ويحمي دورها بدلا أن يسهم في حبس المعلومة والمعرفة ويخفيها  عن المواطن والجماهير، التي تعيش في الحقيقة عصر المعلومات والمعرفة، وتسعى لنيل حق حرية الحصول على المعلومات.
 أن كل هذه المفاهيم والملاحظات التي تحدثت عنها تنضوي تحت أسم " التغيير المعنوي " قبل التغيير الفعلي، لأن التغيير الحقيقي لابد أن ينبع من الصحفي ومن المؤسسة الصحفية في المقام الاول ، وهذه الملاحظات التي اتمنى أن تحدث فعليا هي من أجل عدة أهداف اساسية :
-         تحرير الصحافة العمانية من كل أشكال " التقييد " ليقوم بدوره بشكل أكبر، وهذا الدور بالتأكيد لا يقتصر على القانون وإنما على القائمين على وسائل الإعلام المحلية .
-         اعادة صياغة القانون كليا وفق متطلبات المرحلة وبما يتوافق مع دولة المؤسسات في ظل بدء الخطوات لاستقلال القضاء ودور المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتي من بين أبرز نصوصها " حق المعرفة ".
أمنيات عاجلة:
 تحدثت عن مرئيات خاصة ومهمة طرحتها أمام وزير الإعلام الجديد في مرحلة الدراسة عندما كنت طالبا وكان محاضرا، اليوم أتحدث بلغة الصحفي الذي يتحدث للمسؤول، لكن ليس المسؤول العادي وإنما المسؤول الذي ننتظر منه الكثير، مسؤول يمتلك الخبرة المهنية والتجربة الاكاديمية ايضا في مجال الصحافة، وهنا اضع بعض الأمنيات العاجلة والطارئة التي يجب أخذها بعين الاعتبار أهمها:
-         منع سجن الصحفيين أو رؤساء التحرير بسبب أية اخطاء، أو أية موضوعات صحفية تخل بالمهنية أو بالأخلاقيات المتعارف عليها في الصحافة والأكتفاء بالغرامة المالية في حال وجودة تجاوزات مهنية، او اخلاقية أو تعدي على بعض الأشخاص أو المعتقدات أو البنود الحساسة في قانون المطبوعات والنشر.
-         رفض ايقاف الصحف من الصدور والأكتفاء بالغرامة المالية والعقوبة المعنوية أشد من العقوبة الفعلية في وسائل الإعلام.
-         وضع تنظيم قانوني واضح للصحافة الالكترونية تراعي الظروف المهنية والعملية لهذا النوع من الصحافة، لاسيما في وقت يتجه في العالم الى الإنترنت باعتباره مصدرا اساسيا للمعلومات، فالمستقبل قادم والمستقبل هو للمحتوى الالكتروني، لأن متغيرات الحصول على المعلومة تغيرت وأختلفت، فالواضح أن قوانين نشر المحتوى الإلكتروني خصوصا تلك المتعلقة بالنشر تعاني من تشتت واضح، فتنظيمه منقسم  بين قانون تنظيم الاتصالات المعني في الأساس بخدمات الاتصالات بكافة اشكاله، وقانون تقنية المعلومات،وبين القانون الذي سيخضع له المحتوى الالكتروني في حال تعرضه للمحاسبة الا وهو  قانون النشر الخاص بوزارة الإعلام.  ان هذا الانقسام الواضح في القوانين التي تنظم النشر الالكتروني بحاجة الى نظرة مختلفة وواضحة، فالصحافة الالكترونية تحديدا بحاجة الى قانون خاص من اجل للمستقبل، فالواقع يقول أن هناك صحف الكترونية ظهرت ومن بينها " الفلق" وهناك مجلة العامل أيضا ، ومواقع اخبارية الأخرى التابعة للصحف ايضا موجودة منذ سنوات.
ضرورات
-         استاذي معالي وزير الإعلام انت أول المؤمنين بضرورة المعالجة العاجلة لكل هذه الملفات الشائكة التي تحدثت عنها والتي أضعها على طاولتك اليوم ، ونحن لأجل ذلك نعول عليك الكثير، ليس لأجل " ضرورات التغيير " وحسب وإنما  لأجل إنصاف الصحافة العمانية والنشر بكافة أشكاله ( صحف وكتب وما شابهه ) ومن أجل جيل عماني جديد تغيرت مفاهيمه تجاه الحياة والوطن والمعرفة.